عمرو جلال يكتب: «مزاج» المصريين.. لماذا لا نزرعه؟

عمرو جلال
عمرو جلال

ليست المرة الأولى التي يخرج علينا فيها كبار مستوردي الشاي والقهوة في مصر بتصريحات من نوعية "ألحقونا" مفيش دولار للاستيراد والمخزون ناقص.. يتبع ذلك قيام سلاسل بيع المواد الغذائية بتقليل المعروض وتهافت الناس على الشراء ومن ثم رفع سعر منتجاتهم... 

الأعوام السابقة حدث ذلك وتكرر الأمر بالأمس ويتكرر الأمر مع منتجات أخرى كل يوم... الحقيقة أن هناك أزمة دولار ليست بالجديدة علينا ولا على المستوردين لكن في كل مرة لا يوجد مسئول "شاطر" واحد يقف أمام تلاعب هؤلاء بأسعار ومنتجات سلع أساسية... نحن ثالث الشعوب العربية استهلاكاً للشاي والقهوة وهو قعدة "المزاج" الشرعية داخل كل منزل مصري في الصباح والمساء... يحتسي المصريين بقيمة تزيد على 5 مليارات جنيه شاياً وقهوة أي ما يعادل 330 مليون دولار من الصنفين وفقاً للإحصاءات... المبلغ ليس بالرقم الضخم الذي يصعب توفيره بالبنوك... ما يستدعى البحث والتحقيق هو ترويج أخبار نقلا عن شركة واحدة حول وجود أزمة شاي في مصر رغم وجود شركات عديدة تمتلك مخزونا من الشاي بالإضافة إلى وزارة التموين التي تمتلك أيضا مخزونها من المشروب الأحمر الذي يتم توزيعه على بطاقات التموين..المؤكد أن مخزون تلك الشركة صاحبة الأخبار عن نقص  الشاى سيرتفع  سعر منتجاتها  بعد ترويج تلك الأخبار التي لا تعرف جهة رسمية مدى صحتها وحقيقة ما تمتلكه من مخزون سوى بياناتها... قبل يومين نزلت إلى السوق لشراء بعض الأشياء وفوجئت أن صاحب المحل قام بتغيير سعرها مرتين خلال اليومين بدعوى أنه يتعامل بالأسعار الجديدة وليس بنفاد الكمية التي لديه.

السؤال الذي يتكرر مع كل أزمة مماثلة لماذا لانزرع الشاي والقهوة في بلادنا؟... مافيا الاستيراد بالطبع ترفض هذا الأمر ولا تشجعه إطلاقا بل تروج أن مصر غير صالحة لزراعته لكن الحقيقة ووفقا لأحد البحوث التي قرأتها في إحدى المجلات الزراعية المتخصصة أن بلادنا تقع ما بين خطي عرض 22 و 32 درجة شمالا وعلى ذلك فإن مصر تقع في منطقة حزام زراعة الشاي... وعلى هذا الأساس يمكن زراعة الشاي في مصر بنجاح  خاصة وأن مصر غنية بالكفاءات الفنية والعلمية الزراعية ويقتضي الأمر في هذا الشأن تضافر الجهود في جميع الجهات البحثية والتنفيذية في الكليات والمعاهد الزراعية ومراكز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة ومركز بحوث الصحراء والمركز القومي للبحوث وجميع الجهات المعنية في هذا الشأن ... الغريب أنه تم بالفعل إجراء تجارب ناجحة لزراعة الشاي في مصر منذ حوالي 10 سنوات في وزارة الزراعة بمركز البحوث الزراعية (النباتات الطبية والعطرية) وذلك بمحطات التجارب وأعطت المؤشرات الأولية نتائج مبشرة لكن تم إغلاق الأمر وتجاهله بفعل فاعل.

وتحت عنوان... هل يمكن زراعة البن في مصر؟... كتب الدكتور يوسف السعيد أستاذ أمراض النبات بزراعة الأزهر بمجلة الشمس قائلا "لم يعرف الفلاح المصري زراعة البن أو الشاي باعتبارهما محصولين استوائيين لا تجود زراعتهما في مصر، وعندما أريد إدخال النباتات الاستوائية إلى مصر، اختير لزراعتهما جزيرة النباتات بأسوان، باعتبارها أقرب المناطق المصرية للمناخ الاستوائي، وفات الكثير أن ما يجود نموه في الأقاليم الاستوائية وشبه الاستوائية يصلح زراعته في مصر، بدليل أن الكثير من النباتات النادرة، التي استقدمها الخديوي إسماعيل، والتي ما تزال تزين حدائق الأورمان والأزبكية والقصور الملكية (الجمهورية) هي نباتات استوائية" وأضاف "أن البن ينمو بالفعل في محطة بحوث البساتين بالقناطر الخيرية نموا جيدا؛ على مساحة تقارب الفدانين، لكنه ينمو تحت ظلال أشجار المانجو المسنة، حيث كانت شتلاته قد أهديت إلى مصر في السبعينيات من اليمن وأثبت التحليل الكيميائي لبذور البن العربي المنزرع في مصر ارتفاع محتوى البذور من الأحماض الدهنية، مقارنة بالبذور المستوردة من هذا الصنف"... هنا انتهى حديث الدكتور يوسف السعيد.

ومن هذا المنطلق أقترح تكوين مجلس قومي من خبراء الزراعة على غرار مجالس الشاي والقهوة في دول عديدة منتجة أومستهلكه لدعم وتشجيع زراعة الشاي والقهوة كمشروبات صحية وسلع استراتيجية لا غنى عنها في كل بيت ومثلما تدخلت الدولة بالتوسع في زراعة القمح لتغطية احتياجنا وتحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح يمكن أيضا أن تتدخل بتشجيع زراعة "مزاج المصريين وتقليل فاتورة الاستيراد منه عاما بعد آخر ويمكن قياس الأمر على منتجات أخرى يتم استيرادها وتكوى جيوب المصريين بسبب الدولار.

[email protected]